التراث النباتي والحضارة المصرية




منذ عدة آيام وانا أتابع الآخبار اليومية سعدت كثيراً، بمبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء بشأن تشجير 300 فدان في وسط القاهرة ولكن.. علي صعيد أخر شاهدت ما آثار حزني على الاشجار التي قطعت في منطقة العجوزة، وهذه لم تكن المرة الآولى، فقد شاهدت كثير من الأشجار في شارع النيل أيضا الذى كان يضم أقدم الأشجار "الكافور" القديمة التي يصل عمرها لأكثر من 100 سنة، قد طالها نفس المصير. كل هذه الاحداث جعلتني اسأل عن أسبابها، فأكتشفت بأن هذا للتمكين من رؤية النيل، فهل تكلفة رؤية النيل هي قطع الأشجار؟!، لا خلاف على أن النيل هو شريان الحياة وجميل المنظر ، ولكن أيضًا الأشجار هي الهواء الذي نتنفسه، ووجودها على النيل يزيد المنظر بهاءًا وجمالًا، فضلًا عن أنها المسؤولة عن عملية التمثيل الضوئي وتنقية الهواء. ووسط حيرة من التساؤلات التي انتابت عقلي ومازلت أتساءل لماذا لم يتم استيعاب هذه الحقيقة العلمية!!، فنجد عالميًا "البصمة الخضراء" وهي تحدد نصيب الفرد من إجمالي عدد الاشجار الموجودة في بلده، ففي كندا والولايات المتحدة الامريكية يصل نصيب الفرد لما يتجاوز 86 شجرة، وفي البرازيل يصل إلى 17 شجرة، أما بالنسبة لمصر فتعتبر من أقل الدول في متوسط نصيب الفرد من الأشجار شجرة واحدة فقط لكل شخص، وهذا يعتبر معدل متدني، على الرغم من أن رؤية الدولة للتنمية المستدامة 2030 تحتوي على ثلاث ركائز رئيسية البعد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحد هذه الركائز، كما أن هناك العديد من المبادرات التي تخص التشجير في مصر مثل؛ مبادرة وزارة البيئة ( المليون شجرة) ، والحملة القومية للتشجير التي اطلقت بتوجيه من السيد رئيس الجمهورية، ومبادرة السيد رئيس مجلس الوزراء وسط القاهرة، والحديقة النباتية بالعاصمة الإدارية الجديدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالتنفيذيين يقومون بقطع الاشجار دون الإلتفات إلى عمرها أو أهميتها أو غيره، فكلما زاد حجمها وعمرها كلما زادت خصومتهم لها. في هذا السياق أتذكر دعوتي من الخارجية لحضور مؤتمر خاص بالمرأة في دولة سنغافورة، وكان من أهم الزيارات على هامش المؤتمر هو زيارة حديقة النباتات بسنغافورة، والتي تضم أنواعًا عتيقة ونادرة من الأشجار من مختلف انحاء العالم، والعمل على توفير المناخ الملائم لها. وخلال جولتي في شوارع المحروسة، كان يدور في خاطري أنني سعيدة لرؤية أنواع عديدة من الأشجار في طفولتي وكبرت معها، منهم الكثير في حديقة الحيوان المهملة بالجيزة، وشوارع المحروسة القديمة، ولكن الآن هي غير موجودة، فأين ذهبت! أين ذهب تراثنا النباتي الأخضر؟!. فمن المعروف في أوروبا أنه عند قطع شجرة لهدف التنمية والتطوير يتم زراعة عشرة أشجار في المقابل لحماية المساحات الخضراء، ولهذا المنهج ما زالت أوروبا خضراء وتحافظ على النباتات حتى الآن، شوارعها العريقة تحتفظ بنفس المنظر منذ عشرات السنين ولنا في شوارع باريس، وبراغ، ولندن وحتى واشنطن بأشجارها اليابانية على "اشجار الكرز الوردي" (Cherry blossom) بالرغم من أنها من تراث وثقافة مختلفة ، إلا انها صارت من معالم ولاية واشنطن وتعتبر مزاراً سياحيًا ومتنفسًا للسياسيين. آخيرًا ... وبالتزامن نع اجتماع السيد رئيس مجلس الوزراء بشان إعلان الخطة الوطنية للإصلاح الهيكلي والذي يعتبر البعد البيئي أحد أهم متغيراتها، (إصلاح هيكلي و إلتزام بيئي) إذن لابد من تكاتف جميع الجهود التنفيذية لحماية الأشجار من القطع الجائر، وتعميم مبدأ تجريم قطع الاشجار الوارد في قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنه 1937 الذي يجرم المواطن الذي يقوم بقطع الأشجار فهل التجريم يقتصر ع المواطن ولا ينطبق على التنفيذي؟!